الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حمد بن جاسم يعلن وفاة جماعة الإخوان
محمد سعد خيرالله

"صمت القبور" هو الوصف الأدق والأمثل لكي يطلق على تعامل كل القيادات الكبرى من جماعة الإخوان مع التصريحات الأهم على الإطلاق عن الجماعة، والتي تحدّث بها أحد أبرز رجال قطر، رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية الشيخ "حمد بن جاسم"، في حواره مع الإعلامي "عمار تقي"، منذ عدّة أيام على محطة "القبس الكويتية".

 قال حمد بن جاسم: "طلبت مني الإدارة الأمريكية من بعد تولي الدكتور محمد مرسي للرئاسة ترتيب لقاء في الدوحة بإشرافي يجمعهم مع رجال الاقتصاد بالإخوان، كان الأمريكان يريدون معرفة واستكشاف كيف سيدار الاقتصاد في مصر، حضر الفريقان وبمجرد الانتهاء من اللقاء كنت حزيناً جداً، فلقد اكتشفت أن هؤلاء الرجال مساكين ولا يصلحون إلا لإدارة دكان وليس دولة"، على حدّ وصفه.

شهادة هامة وفارقة، وأصنّفها كإحدى أهم الشهادات "غير المجروحة"، فصاحبها كان يشغل موقعاً رفيع المستوى، فهو المسؤول التنفيذي رقم 1 بالدولة الراعية لهم منذ ثورة يناير، وحتى الآن، لذلك تم التعامل معها بكل المستويات التنظيمية، كما لو كان الجميع من بنها "وهو مثل شعبي مصري" عظيم الدلالة، لا حرف لا كلمة لا تعقيب لا تصريح لا شجب لا لذكر كل الترهات السابقة والمعتادة في مثل هذه الظروف، لم يقولوا إنّه استهداف الجماعة والحرب العالمية الكونية على الإسلام، ولا حديث عن المؤامرة العالمية، وحتى آخر قائمة الخرف والهذيان المخلوطة بالمواعظ والحكم الدينية. بالمناسبة يتردد على نطاق واسع أحاديث بأنه من ضمن الحاضرين لهذا اللقاء الثنائي القوي، المتحكمان في كل ما يخصّ اقتصاد الإخوان في مصر بتلك الفترة "خيرت الشاطر وحسن مالك"، وهي أحاديث منطقية جداً.

في ذلك التوقيت وبتلك الفترة، كان الشعار الأبرز للإخوان في مصر "نحمل الخير لمصر"، مع حملات إعلامية عن مشروع النهضة، تشعر وكأنّه سينزل لك من صنابير المياه، وهو المشروع الذي قيل عنه سينقل مصر خلال سنوات معدودة إلى مصافي الدول الكبرى، كنت متأكداً ككف يدي بأنه لا يوجد مشروع ولا أي شيء، بل "خلطة من الأكاذيب" التي يستحيل تطبيقها على أرض الواقع فهولاء البشر غارقون حتى الثمالة في المعتقد الدوجماطيقي وأوهام وهذيانات "أستاذية العالم" تمهيداً لحكمه. 

تصريحات الشيخ حمد تحتم علي التذكير بتجارب الإخوان في الحكم بعدة دول عربية كانت لهم السلطة أو كانوا مشاركين رئيسين بها "السودان، الأردن، المغرب، تونس، ومصر"، والعنوان الأبرز لكل تجاربهم "فشل مدوٍّ وسقوط ذريع"، وكأنّ هذا العنوان يلازم الجماعة في كل مكان كلما حكموا، وهو منطقي ومتوقع، فهم يحكمون بلا خطط أو برامج، لا يوجد أهداف ولا استراتيجيات، فقط نهم وشبق للسلطة فوق نطاق التصور للدرجة التي دفعتهم في العراق لكي يطلبوا من الحاكم الأمريكي "بول بريمر" عدم المغادرة والبقاء، فقط لأنهم كانوا جزءاً من المكوّن الحاكم آنذاك.. تخيلوا إلى أي مدى وصل هوس الحكم وجنون  السلطة!

طلقات الشيخ حمد عليهم هي رصاصة الرحمة للجماعة التي تفسّخت وأصبحت "جماعتين"، واحدة في لندن، والثانية في تركيا، والثالثة قادمة في الطريق، لا يعجبها قيادات المتناحرين الذين يطلقون على بعضهم البعض اتهامات عن فساد يزكم الأنوف لدرجة تهاوى أمامها دستورهم الحاكم لدى القطاعات الشبابية التي كانوا يتحكمون فيها ويسيطرون عليها "كعرائس الماريونيت". يقول نص أداة المسخ الأولى "الأخ بين يدي مرشده كالميت بين يدي مغسله، يقلبه كيفما يشاء.. وليدع الواحد منّا رأيه فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه".

منتهى السحق، ولكن كل ذلك تلاشى أمام أعين الشباب وهم يرون القيادات وأسرهم والمقربين منهم يتنعمون ويترغدون في عدة عواصم بمئات الملايين، في ذات الوقت يقضي فيه شباب لا ضهر لهم أسوأ أيام أعمارهم، للدرجة التي دفعت مجموعة منهم للمبيت ليلاً في إحدى حدائق إسطنبول لعدة أيام. 

ولكن هناك سؤال ملحّ يطرح نفسه موجّه للشيخ حمد بن جاسم: إذا كانت أعلى هيئة اقتصادية بالإخوان بهذا المستوي المتردي والضعيف، ومعدومة الإمكانات، فلماذا الدعم والرعاية والتسويق والتفنن في صك المظلوميات لهم من خلالكم؟.. عموماً سؤالي موضوع لمقال آخر. 

وفي النهاية، لم تجنِ شعوب المنطقة العربية من الجماعة إلا الخراب والدمار والكوارث والمآسي ونيولوك جديد لبعض الأنظمة العسكرية، لتثبيت حكمهم باستخدامهم كالمعتاد. فهل تقدم الجماعة على تقديم "الإيجابية الوحيدة لها" في تاريخها بإعلان حلّ نفسها؟.. سؤال من واجبي طرحه رغم يقيني التام من الإجابة كمعرفتي لاسمي.
 

ليفانت - محمد سعد خير الله

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!